فصل: مسألة السيد يوصي لأم الولد بنفقتها ما لم تتزوج فيصالحها الورثة على شيء معلوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يوصي بثلثه لمواليه أو لبني عمه فيهلك أحد منهم ويولد آخر قبل أن يجمع المال:

ومن كتاب نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عن رجل يوصي بثلثه لِمَوَاليه أو لِبَني عمه فيهلك أحد منهم ويولد آخر قبل أن يجمع المال على من ترى أن يقسم المال؟ على الذين كانوا أحياء يوم مات الموصى أو على الذين يدركهم القسم؟. قال: بلى، على الذين يدركهم.
قال محمد بن رشد: هذا على أحد قولي ابن القاسم في المدونة يوصي لأخواله وأولادهم مرة حَكَمَ لهم بحكم المُعَيّنِين، فقال: إن المال يقسم بينهم بالسواء. فعلى هذا يكونُ القسمُ على من كان منهم حيا يوم مات الموصى ويكون حظ من مات منهم لورثته، ومرة حكم لهم بحكم المساكين فقال: يقسم بينهم بالاجتهاد على من كان حيا منهم حين القسمة، ومن مَات قبل القسمة لم يكن له شيء، وقد مضى هذا في الذي يوصي لقرابته في أول رسم، وسيأتي هذا المعنى أيضا في رسم الوصايا والأقضية من سماع أصبغ، وانظر مسألة رسم الوصايا المتقدمة في سماع أصبغ وما ذكرنا من المعنى فيها وتدبر ذلك كله وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي وهو يريد الغزو فيستأذن ورثته في أكثر من ثلثه فيأذنون له:

وسئل مالك: عن الرجل يوصي وهو يريد الغزو فيسِتأذن ورثَتَه في أكثر من ثلثه فيأذنون له أترى ذلك جائزا له عليهم إن مات؟
قال: نعم، فقيل له: والذي يريد سفرا فيستأذن ورثته فيوصي في أكثر من ثلثه فيموت أترى أن يجوز ذلك؟ قال: نعم، وأراه مثل المريض.
قال ابن القاسم: وذلك رأيي.
قال أصْبغ: وسمعت ابن وهب يقول في رجل أراد سفرا فاستأذن بعض ورثته في أن يهب له ميراثه منه ففعل ثم مات في سفره: إنّ لهم أن يرجعوا ولم يره مثلَ المريض، وقال لي: قد كنت قلتُ غيرَ هذا ثم رجعت إلى هذا.
قال أصبغ: وذلك الصواب وهو مثل الصحيح يستأذن في العول، وهذا أصح، قال أصبغ: المسافرُ يصنع في سفره ما شاء ولم يره مثل المريض، يريد في حجب ماله عنه إن أراد أن يبتل وينفذ.
قال محمد بن رشد: حَكَمَ مالك وابن القاسم في هذه الرواية لما فعله المسافر عند إرَادة الغزو أو السفر بحكم المريض فأمضيا عليهم ما أذنوا له به من الوصية بأكثر من ثلث ماله إن مات في سفره ذلك، وذلك من قول ابن القاسم خلافُ قوله في سماع عبد الملك بن الحسن من أن من حَضَرَ خروجه إلى حج أو غزو أو سفر من الأسفار فأقر بدين لزوجته أو لبعض ولده أو تصدق على ابنه الصغير بصدقة أن ذلك كلّه جائز وإن مات في سفره ذلك؛ لأنه حكمَ له فيما فعله من ذلك كله بحكم الصحة، فلم يتهمه في إقراره للوارث ولا في صدقته على ابنه مثل قول ابن وهب الذي رجع إليه في الذي أراد سفرا فاستأذن بعض ورثته في أن يهب له ميراثه ففعل يريد فقضى فيه بأن صرفه إلى بعض الورثة أو غيرهم أنّ لهم أن يرجعوا ولم يره مثل المريض، وأما لو لم يقض فيه المَوْرُوثُ بشيء لَمَا اختلف فيه حكم الصحة والمرض، ولَكان لهم أن يرجعوا في ذلك، وإن كان في المرض على ما قاله في الموطأ، وقولُ أصبغ مثل قول ابن وهب الذي رجع إليه ومثلُ قول ابن القاسم في سماع عبد الملك؛ لأنه لم يتهمه بالسفر وحكم له فيما فعله عند إرادته إياه بحكم الصحة في جميع الأشياء وبالله التوفيق.

.مسألة الوصية لليهود والنصارى:

قال ابن القاسم: وكره مالك الوصية لليهود والنصارى، قال سحنون: قال ابن القاسم: وكان قبل ذلك يجيزه ولست أرى به بأسا إذا كان ذلك على وجه الصلة مثلَ أن يكون أبوه نصرانيا أو يهوديا أو أخوه أو أخته فيصلهم على وجه صلة الرحم فلا أرى به بأسا وأراه حسنا، وأما بغير هذا فلا، وفي رواية عيسى بن دينار وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال: لا أرى به بأسا لمثل أمه وأبيه وإخوته وما أشبه ذلك القرابة، وأما الأباعد فلا يعجبني ذلك وَلْيَعْطِفْ به على أهل الإِسلام. قال محمد بن رشد: حَدُّ الكراهة ما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب، فمعنى كراهية مالك الوصية لليهود والنصارى هو أن يؤثرهم بالوصية لقرابته منهم على المسلمين الأجنبيين، فرأى الوصية للمسلمين الأجنبيين أفضل من الوصية لقرابته الذميين.
وقولُه: وكان قبلَ ذلك يجيزه معناه من غير كراهة لما جاء في صلة الرحم من الأجر، والوجهُ في ذلك أنه لم يترجح عنده على هذا القول الأفضل من الوجهين، فأجازه من غير كراهة وهي رواية ابن وهب عنه أن الوصية للكافر جائزة، واحتج بالحُلّةِ التي كساها عمَرُ أخا له مشركا بمكة، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في رواية عيسى عنه، وقوله قبل ذلك وأراه حسنا قولٌ ثالث في المسألة، وأنه رأى الأجر في الوصية لصلة رحمه وإن كانوا ذميين أكثر من الأجر في المسلمين الأجنبيين.
وأما الوصية للأباعد من الذميين فلا اختلاف في كراهة ذلك، لأن الوصية للمسلمين أفضل فالكراهة إنما تتعلق بإيثار الذميين على المسلمين لا بنفس الوصية للذميين؛ لأن في ذلك أجرا على كل حال، ففي موطأ ابن وهب عن مالك فيمن نذر صدقة على كافر أن ذلك يلزمه، وقال في موضع آخر: إن قال مالي صدقة على فقراء اليهود أن ذلك يلزمه يتصدق عليهم بثلث ماله، وقد قال الله عز وجل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]. والأسير الكافر، فإذا أوصى إليهم شفقة عليهم لفقرهم جاز ذلك على كراهة؛ لأن الأجْر في الصدقة على فقراء المسلمين أحرى، والإشفاق عليهم ينبغي أن يكون أكثر، وقد أجاز أشهبُ الوصيةَ للذميين كانوا ذوي قرابة أو أجنبيين إجازة مطلقة دون كراهة، ومعنى ذلك في الأجنبيين والله أعلم إذا كان لهم حق من جوار أو يد سلف لهم إليه أو ما أشبه ذلك، وأما إن لم يكن لذلك سبب فالوصية لهم محضورة إذ لا يوصِى للكافر من غير سبب ويترك المسلمَ إلّا مُسلم سُوء مريض الإِيمان، قال الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22] إلى قوله: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] وأما الوصية للحربي فإنها لا تجوز؛ لأن ذلك قوة لهم، ويرجع ذلك ميراثا ولا يجعل في صدقة ولا غيرها، وكذلك من أوصى بما لا يحل قال ذلك أصبغ في الوصية والله الموفق.

.مسألة يقول عند الموت سلاحي في سبيل الله:

ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه:
وسئل: عن الرجل يقول عند الموت: سلاحي في سبيل الله أترى لِمَنْ أوصي إليه أن يجعله حبسا؟ قال: لا أرى ذلك له، ولكن يجتهد فيه.
قال محمد بن رشد: قولُهُ: لا أرى ذلك له يحتمل أن يكون معناه لا أرى ذلك عليه، أي لا يجب عليه أن يحبسه في السبيل؛ لأن الموصي لم ينص على أن تحبس في السبيل ولا على أن تبتل فيه، وإنما أوصى تجعل فيه فرأى له أن يجتهد في وجه جعلها فيه بما يراه إن رأى أن يحبسها فيه حبسها، وإن رأى أن يبتلها فيه بتلها؛ لأن له قد يكون بمعنى عليه في اللسان، قال الله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها، ويحتمل أن يكون له على بابها ويكون المعنى في ذلك أنه رأى أن يبتلها في السبيل ولا يحبسها فيه، إذ لم ينص الموصي على تحبيسها على القول بأن من أعطى فرسا أو سلاحا في السبيل، فهو محمول على التبتيل حتى ينص عَلَى التحبيس، وهو ظاهر ما في رسم طلق بن حبيب ورسم باع غلاما ورسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد، ويكون الاجتهاد الذي جعله إليه بقوله ولكن ليجتهد فيه ألّا يبتلها إلّا لمن فيه خير وله دين، وهو من أهل النجدة والنكاية في العدو والعمل في الجهاد، فإذا بتل السلاح الموصي بها في السبيل لمن هذه صفته كان له أن يقاتل بها وأن يبيعها على نفسه فيما يحتاج إليه في غزوه وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بصدقة دينار من غلة له كل سنة أن يشتري بها قمح ويطعم المساكين:

وسئل مالك: عن رجل أوصى بصدقة دينار من غلة له كلّ سنة أن يَشتري بها قمحٌ ويطعم المساكين، أترى أن يعطي بمد النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أو بمد هشام؟ قال: إن كان الطعام كثيرا فإنني أرى أن يعطي بمد هشام، وإن كان قليلا فبالمد الأصغر، فقيل له: فإنه أوصى مع ذلك أن يعطي المساكين درهما درهما لكل مسكين فَكَثُرَ المساكين على الرجل فأعطاهم درهما بين رجلين؟ فقال: ما أرى عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: المعنى فيما قاله في الطعام بين في الاستحسان وذلك أنه لما أوصى بالطعام الذي يشترى بالدينار كان سبيلُ ذلك في قدر ما يعطي منه لكل مسكين سبيلَ الكفارات التي ذكر الله فيها الإطعام الكثير أن يعطي بمد هشام ككفارة الظهار، وفي الطعام اليسير بمد النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ككفارة اليمين، ولو أوصى أن يشتري به قمحا فيتصدق به على المساكين ولم يكن الطعام لما حد فيه أن يعطي بمد هشام ولا بمد النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ ولكان له أن يتصدق بجميعه على المسكين والمسكينين وأقل وأكثر على ما يراه بوجه اجتهاده.
وأما الذي أعطى درهما بين مسكينين وقد كان أوصى الميتُ أن يعطي درهم درهم لكل مسكين فقد أخطأ في مخالفته حَدّ المُوصِي في ذلك، إلا أنه لم يره خطأ يلزمه به الضمان فقال: ما أرى عليه شيئا أي لا أرى عليه غرما؛ لأن الذي فعل كان سائغا له أن يفعله والله أعلم.

.مسألة يأكل الرجل من مال ابنه الصغير:

وسئل مالك: عن الرجل يكون لابنه المالُ قد ورثه من أمه الضيعة يكون له، فيأتيها أبوه يأكل منها، قال: لا بأس بذلك أن يأكل الرجل من مال ابنه الصغير من الضيعة يكون له يأتيها فينزل بها ويأكل منها، وإنما كان ورثها من أمه فلا بأس أن يأكل منها.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] إلى قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] فإذا جاز للرجل أن يأكل من مال أبيه وأمه وأخيه وعمه وخاله وصديقه بغير إذنهم الشيء اليسير الذي لا يقع التشاح في مثله ويعْلَمُ بمستقر العادة أنهم لا يكرهون ذلك فأحرى أن يجوز ذلك للوالد في مال ولده الذي ورثه عن أمه؛ لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» ألا ترى أنه قد جاز له فيما تصدق به على ابنه لهذا الحديث ما لا يجوز له فيما تصدق به على غيره، وقد مضى القولُ على ذلك مستوفى في رسم حلف ألّا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
والحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين.

.كتاب الوصايا الثاني:

.نعي له عبد أبق ثم مرض فأوصى بثلث ماله ثم مات وجاء العبد الآبق:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الوصايا الثاني من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون أخبرني أشهب وابن نافع قال: سئل مالك عمن نعي له عبد أبق أو ذكر له غرق سفينته، ثم مرض فأوصى بثلث ماله، ثم مات، وجاء العبد الآبق، وسلمت السفينة، أيدخل ذلك في ثلثه؟ فقال نعم، ليس يشبه هذا الذي يكون له مال لم يعلم به، قد ينعى للرجل العبد وهو يرجوه وهو يائس منه، فهذا يدخل في الثلث.
وفي كتاب الوصية للصغير، من سماع أشهب وابن نافع قال: فأما الذي له العبد الآبق، والجمل الشارد، والذي قد كان له أصله وعمله، فإنه إذا رجع، رجع في الثلث، فقيل له: أرأيت الذي يكون له المال الغائب مثل السفينة والعبد، فيقال: قد غرقت السفينة أو مات العبد حتى يتقين ذلك؟ فقال: إذا علم أنه لم يرده فلا يدخل في الثلث، فقيل له: مثل السفينة يقال له قد غرقت؟ فقال إذا كان هكذا فنعم، ولم ير أن ذلك يرجع في الثلث إذا جاءت سلامته، من أجل أنه كان منه يائسا. وفي رواية عيسى من كتاب المكاتب من سماعه: قال ابن القاسم: إذا كانت قامت عنده البينة، وشهد عنده قوم قبل الوصية أو بعدها أن العبد مات، والسفينة غرقت، والفرس مات، أو بلغه ذلك فطال زمانه، ويئس هذه، ثم جاء خبر ذلك من بعد موته أنه لم يذهب منه شيء، فلا يدخل فيه شيء من الوصايا وهو كمال طارئ لم يعلم به، وإن كان ذلك شيئا بلغه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات، ولم يشهد عنده أحد بهلاكه، إلا خبر بلغه، فإن الوصايا تدخل فيه. ولم يذكر في أول المسألة إباق العبد، وإنما ذكر هلاكه. قلت: فالعبد يأبق؟ قال تدخل فيه الوصية متى ما رجع.
قال محمد بن رشد: في ظواهر ألفاظ هذه المسألة الروايات اضطراب، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعارض والاختلاف؛ لأنها ترجع كلها عند التحصيل إلى أن ما كان أصله قد علمه، فإن الوصايا تدخل فيه، وإن غاب عنه فطال زمانه وبلغه هلاكه حتى كان الغالب عليه اليأس منه، من أجل ما بقي له فيه من الرجاء، حتى إذا تحقق عنده هلاكه بالشهادة أو الاستفاضة، حتى تحقق ذلك وتيقنه، فلم يبق له فيه رجاء، فلا تدخل فيه الوصايا إن جاء بعد ذلك، وإن كانت المدة لم تطل. ولا فرق في شيء من هذا كله بين المال الغائب، والعبد الآبق، والسفينة الغائبة، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح فأرادت أن تخرج إلى العراق:

قال أشهب: وسئل عمن توفي بالمدينة وأوصى إلى رجل، وأوصى أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح، فأرادت امرأته أن تخرج إلى العراق بولدها منه، وهناك أصلها. قال: فليس لها ذلك. فقيل له: إن لولده ثم ديوان، قال ما أرى ذلك لها. قيل: إذا يهلك ديوانهم يغيبون وهم صغار، قال: هاه! إن كان هكذا فلينظر في ذلك لليتامى، فإن رأى والي اليتيم أن أرفق بهم المقام أقاموا، وإن رأى أن أرفق بهم السير ساروا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه ليس للأم أن تدخل بولدها الذي في حضانتها عن بلد الوصي عليهم وإن كان الأب قد أوصى أنها أولى بولدها ما لم تنكح؛ لأن ذلك من حقها وإن لم يوص لها به الأب مع ألا تغيب بهم إلى بلد آخر عن الوصي، إلا أن يرى ذلك الوصي أو السلطان نظرا للأيتام لئلا يزول بمغيبهم اسمهم عن الديوان الذي كان يرتزق عليه أبوهم فتدركهم الضيعة. وبالله التوفيق.

.مسألة السيد يوصي لأم الولد بنفقتها ما لم تتزوج فيصالحها الورثة على شيء معلوم:

وسئل مالك عن أم الولد يوصي لها سيدها بنفقتها ما لم تتزوج، فصالحها الورثة على شيء معلوم، فيدفعونه إليها نقدا ثم تتزوج، أيرجعون عليها بشيء؟ قال: لا يرجعون عليها بشيء. وقد صالحوها، إنما ذلك لو تركوها على ما أوصى به سيدها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إنه إذا لم يمض الورثة الوصية لها على حالها وصالحوها عنها على شيء دفعوه معجلا إليها، فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت قبل أن تستنفد في الإنفاق على نفسها ما دفعوا إليها، كما أنها إذا استنفدت ذلك في الإنفاق على نفسها، فلا شيء لها عليهم وإن لم تتزوج؛ لأن الصلح لما كان على إسقاط الشرط في النفقة، فلا رجوع لهم عليها إن تزوجت. قال عيسى بن دينار في رسم أوصى بعد هذا من سماعه: وكذلك إن ماتت بعد ذلك بيوم أو يومين، ولا لها عليهم إن لم تتزوج بعد فناء ما قبضت منهم. وكذلك لو أوصى لها بوصية على ألا تتزوج، فقالت: على الثلث فردت إلى الثلث، ثم تزوجت، فلا ينتزع منها شيء؛ لأن الوصية لم تنفذ لها على وجهها، حكاه ابن المواز فيما أظن عن ابن القاسم، وهو قول ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى في الذي يوصي أن ينفق على رجل ما عاش، فلم يحمل الثلث نفقة تعميره أنه إن لم يجز الورثة كان ما صار له من الثلث بتلا يدفع إليه، وليس للورثة أن يرجعوا عليه بشيء، وإن مات بعد ذلك بيوم؛ لأنهم قد خيروا في أن ينفذوا وصية صاحبهم، وفي أن يقطعوا له بالثلث بتلا، فاختاروا القطع له بالثلث بتلا، ولا فرق بين المسألتين في المعنى، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لنفر خمسة بنفقتهم ما عاشوا:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
قال: وسألته عمن أوصى بوصايا، فأوصى لنفر خمسة بنفقتهم ما عاشوا. ونزلت بالمدينة، فقال: أرى أن يعمر الخمسة النفر سبعين سبعين سنة كان له منهم عشرون سنة، حرص له بنفقة خمسين سنة تمام السبعين، ومن كان له منهم أقل من ذلك أو أكثر، فعلى هذا؛ لأني أرى السبعين من أعمار الناس اليوم، وما هو بالأمر الثابت، ثم يجمع لهم ما صار لهم جميعا في المصلحة، فيوضع على يدي عدل، فينفق منه عليهم ما عاشوا، فكلما مات منهم إنسان، رد ذلك على أهل الوصايا حتى يموتوا من آخرهم، فإذا مات الخمسة من آخرهم ثم رجع ما فضل إلى أهل الميراث، لا يرجع إلى أحد من أهل الميراث شيء حتى لا يبقى أحد من الخمسة، حتى إذا ماتوا رجع ما فضل إلى أهل الميراث، إلا أن يكون كانت معهم وصايا قصر عنهما الثلث، فيحاصونه فأرى إذا مات الخمسة أن يتم لأهل الوصايا وصاياهم، فما فضل كان لأهل الميراث. قال: وإن استنفدوا ذلك قبل أن يموت، فلا شيء لهم، لا يرجعون بشيء مما أوصى لهم به على أهل الوصايا حتى لا يبقى من الخمسة أحد.
قال: والسبعون من أعمار الناس، وإنما جرأني على أني قررت لهم سبعين، أني قد علمت أن منهم من لا يستكمل السبعين، فصار في المال فضل يستنفقونه ما عاشوا، حتى يستوفوا وصاياهم قال: وأنا أرى أن يكون لهم فيما يعرض لهم من النفقة، الماء والحطب والدهن والثياب، لا أدري ما الصوف؟ وأرى ذلك للمرأة على زوجها وللموصى لهم بالنفقة مثله:
قال محمد بن رشد: قد قال بعض الناس في هذه المسألة: إن مذهب ابن القاسم في المفقود أن يعمر سبعين سنة؛ لأنهم جماعة، ولا يمكن في غالب الحال، أن يعيشوا كلهم أكثر من سبعين سنة، وأنه إن كان منهم من يعيش أكثر من سبعين سنة، فسيكون من يموت منهم قبل السبعين، فرأى السبعين عدلا في ذلك؛ لكونهم جماعة، وذلك نص قوله وإنما جرأني على أني قدرت لهم سبعين، أني قد علمت أن منهم من لا يستكمل سبعين، معناه: قد تيقنت ذلك بغلبة ظني؛ إذ لا يصح العلم في ذلك، فإن كان واحدا لما عمره إلا أكثر من سبعين، على قوله في هذه الرواية، وكذلك يلزم على قوله في المفقود، وقد روي عن مالك أنه يعمر سبعين سنة، وإليه ذهب عبد الوهاب، واحتج بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين»؛ إذ لا معنى لقوله إلا الإخبار بما يتعلق به الحكم، والله أعلم.
وقد روي عن مالك ثمانون سنة، وروي عنه تسعون سنة. وقال أشهب: مائة سنة. وقال محمد بن عبد الحكم: مائة وعشرون. والذي جرى به العمل ثمانون سنة، وهو أعدل الأقوال إن شاء الله. وليس هذا موضع التكلم على المفقود وما يلزم في تأجيله. وقد قيل في هذه المسألة قياسا على المفقود: إنه يعمر كل واحد منهم ثمانون سنة، ثمانون سنة، روى ذلك ابن كنانة عن مالك. قال: ولو كانت واحدة لعمرها أكثر، قاله فيمن أوصى أن ينفق على أمهات أولاده. قال: والصواب في مثل هؤلاء أن يعمرن أكثر ما يظن أن يعشن؛ لأنهن إن متن قبل ذلك، رجع الباقي إلى الورثة، وإن تجاوزن التعمير، هل كن دون نفقة؟ وقيل: تسعون تسعون، وقول ابن القاسم أعدل؛ لكونهم جماعة على ما ذكره. وقوله: إنهم إذا عمروا سبعين سبعين فتحاصوا مع أهل الوصايا في الثلث إذا لم يحمل جميع ذلك الثلث: إنه يوقف ما صار لهم في المحاصة، فإن ماتوا قبل أن يستنفدوه، رجع الفضل إلى أهل الوصايا، فاستكملوا منه وصاياهم، وكان الفضل للورثة، وإذا استنفدوا ما وقف لهم قبل أن يموتوا، لم يرجعوا على أهل الوصايا، هو قول ابن القاسم أيضا في آخر الرسم الأول من سماع أصبغ. قال: والقياس أن يرجعوا على أهل الوصايا إذا استنفدوا ما صار لهم في المحاصة قبل أن يموتوا فيعمروا ثانية، ويرجعوا على كل واحد منهم بقدر ما صار له في نصيبه، وهو اختيار أشهب، كما يرجع أهل الوصايا فيما فضل مما وقف لهم إن ماتوا قبل أن يستنفدوه. واختار أصبغ استحسانا أن يكون ما صار في المحاصة لكل واحد منهم بتلا، فلا يرجعون على أهل الوصايا إن استنفدوا ما صار لهم في المحاصة قبل أن يموتوا، ولا يكون لأهل الوصايا شيء مما صار لهم في المحاصة إن ماتوا قبل أن يستنفدوه. قال: ولا أعلم ابن القاسم إلا قد رجع إليه وقاله. وكذلك إن لم يكن معهم أهل وصايا، فلم يحمل الثلث نفقة تعميرهم فأبى الورثة أن يجيزوا لهم الوصية، وقطعوا لهم بالثلث إن ماتوا قبل أن يستنفدوا الثلث، رجع الفضل إلى الورثة على هذه الرواية، وعلى ما اختاره أصبغ، وحكى أنه لا يعلم ابن القاسم إلا وقد رجع إليه، وقاله ابن القاسم أيضا في رسم العرية من سماع عيسى لا يرجع الفضل إليهم وإن ماتوا بعد ذلك اليوم، ويكون الثلث الذي قطع لهم الورثة مبتولا لم يورث باقيه عنهم، ولا يرجع شيء منه إلى الورثة، وأما إن حمل الثلث نفقة تعميرهم والوصايا، أو نفقة تعميرهم إن لم يكن معهم أهل وصايا، فلا اختلاف في أنهم إن ماتوا قبل أن يستنفدوا نفقة تعميرهم، يرجع الفضل إلى الورثة، وإن عاشوا أكثر مما عمروا رجعوا على الورثة فيما كان بقي لهم من الثلث، وإن ناب الموصى نصف وصاياهم، لم يعطوا من ذلك في كل شهر إلا نفقتهم كاملة، لا نصف نفقة أي نفقة كل شهر، قاله المغيرة وابن كنانة. وفي قول ابن القاسم في هذه المسألة: إنه يكون لهم فيما يفرض لهم من النفقة الماء، والحطب والدهن والثياب، لا أدري ما الصوف؟ أي الثياب التي تصاف لمثل جمعة وغيرها، دليل على أن من التزم نفقة رجل يلزمه كسوته؛ لأنها من النفقة، وهذه مسألة كان الشيوخ يختلفون فيها. ويتخرج فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن الكسوة داخلة تحت لفظ النفقة بظاهر اللفظ، وهو دليل قوله في هذه الرواية، والحجة لذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] لإجماع أهل العلم أن لهن النفقة والكسوة. فعلى هذا القول، إن قال ملتزم النفقة لم أرد بما التزمت إلا الطعام دون الكسوة، لم يصدق. والثاني: أن الكسوة غير داخلة تحت لفظ النفقة بدليل ما وقع في كتاب الرواحل والدواب من المدونة من إجازة استئجار الأجير بنفقته.
وقوله: إنه إن اشترط الكسوة، فلا بأس بذلك، إذ لو كانت الكسوة داخلة في النفقة عنده لما احتاج إلى اشتراطها، فعلى هذا لا يلزم من التزم النفقة الكسوة، إلا أن يتطوع بها أو يقر على نفسه أنه أرادها.
والثالث: أن دخول الكسوة تحت لفظ النفقة ليس بظاهر من اللفظ، وإنما هو محتمل له احتمالا ظاهرا، فإن قال الملتزم على هذا القول: لم أرد الكسوة صدق دون يمين، أو بيمين على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإن قال: لم تكن لي نية، ألزم إياهما جميعا. وقال عبد الملك لا يفرض للموصى له بالنفقة الخدمة ولا يكون ذلك له إلا بوصية من النوادر، وهو ظاهر ما يأتي في رسم أوصى من سماع عيسى والذي أقول به: إذا كان الموصى له بالنفقة لا يستغني عن الخدمة فيدخلها من الخلاف ما دخل الكسوة، وبالله التوفيق.

.مسألة لا يجوز للوصي أن يدفع إلى اليتيم من من ماله:

وسئل فقيل له: إن عندي يتيما قد أخذ بوجهه، والذي له عندي ستون دينارا، وقد سألني أن أعطيه خمسة عشر دينارا يتجه بها إلى خاله بمصر، يرجو صلته ونفعه، أفترى أن أعطيه؟ فقال: ما أرى ذلك يجوز، وما أرى أن تعطيه إلا بأمر السلطان، وما لك تدعه يخرج إلى مصر؟، فقال: إنه رجل قد أخذ بوجهه، وهو يغلبني ولو أطاعني لم يخرج، فقال: إذا أعطيته قوي على الخروج، فقال: أرأيت أن يحمل لي رجل بها يضمنها إن طلبت مني؟، فقال: لا أرى أن تدفعها إلا بأمر السلطان.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه لا يجوز للوصي أن يدفع إلى اليتيم من ماله إلا ما لابد له منه في نفقته وكسوته، فلا ينبغي له أن يساعده فيما يذهب إليه من التجهز إلى خاله بخمسة عشر دينارا يدفعها إليه من ماله؛ إذ ليس ذلك بوجه نظر له؛ لأن ما يرجوه من خاله، ليس على يقين منه، ولعله يتلف ما يصله له إن وصله، فيذهب ما دفع إليه من ماله في غير وجه منفعة، فلذلك لم ير له أن يدفعها إليه إلا بأمر السلطان؛ لأنه إن دفعها إليه بغير أمره ضمن، وإذا أمره السلطان أن يدفعها إليه بأمره برئ هو من ضمانها، والسلطان لا يأمر بذلك، إلا أن يثبت عنده ما يوجبه وبالله التوفيق.

.مسألة كاتبه سيده وأوصى إليه فسأله بعض مواليه عما ربح فيه:

وسئل فقيل له: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي، فسألني بعض موالي، وهو ولد سيدي عما ربحت فيه، وأنا عند الناس كما أحب، أفذلك علي؟ قال له: لا أرى ذلك عليك. أليس ما في يديك مالا معروفا؟ قال: بلى، ولكنه يريد أن يعلمه ويعلم ما ربحت فيه، فقال: ما أرى ذلك عليك، فقال له: إنني غلام مولد ولدت باليمن، قد علم ذلك الذي اشتراني منها، فأنا إذا انتسبت في كتابي قلت: فلان بن فلان مكاتب فلان وذلك نسبتي قال: لا بأس بذلك.
قال الإمام القاضي: قوله: إن سيدي كاتبني وأوصى إلي، يريد أنه أوصى إليه بالنظر على بنيه، فلم ير عليه أن يخبر بما ربح في مال الميت الذي هو ناظر فيه لولده؛ لأن الوصي لا يلزم أن يكشف عما بيده، ولا يخبر به إلا أن يخاف عليه أن يكون قد أتلفه، وهو محمول على الأمن في ذلك حتى يثبت خلاف ذلك من حاله، فإذا كان ما في يديه من المال معروفا، فلا يلزم له أن يكشف عنه ولا أن يخبر بما ربح فيه؛ لأن في ذلك غضاضة عليه؛ إذ لا يفعل ذلك إلا بمن لا يوثق به، وسيده ائتمنه ووثق به، فهو محمول على ذلك. وقد قال في رسم حلف في المرأة الموصى إليها بولدها إذا تزوجت: إنها لا يُكشف عما بيدها إلا إذا خيف على المال عندها. وقد مضى الكلام عليها فلا معنى لإعادته. وقوله: إنه يكتب إذا انتسب في كتابه أي في كتابة شهادته وفيما يشهد به على نفسه في إذكار الحقوق وشبه ذلك، فلان بن فلان يريد ما دام مكاتبا، فإذا أدى كتابته قال في انتسابه: فلان بن فلان مولى فلان. وبالله التوفيق.